قانون الإجراءات الجنائية
رد الاعتبار في قانون الإجراءات الجنائية
دراسة قانونية تاريخية لأحكام رد الاعتبار في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
لحضرة الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة ميت غمر
1 – تمهيد:
بمناسبة استقلال مصر القضائي بسبب إلغاء المحاكم المختلطة قام المشرع المصري بنهضة تشريعية فصدرت عدة تقنينات جديدة من بينها قانون الإجراءات الجنائية والذي لم يُنشر بعد في الجريدة الرسمية – ولا شك أن هذا القانون جاء معدلاً لأحكام قانون تحقيق الجنايات المعمول به الآن مستحدثًا لبعض النظم القضائية في المواد الجنائية أهمها الفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام، ولا عجب إذا قلنا إنه بمناسبة هذه النهضة التشريعية الجديدة يتعين على كل مشتغل بالعلوم القانونية أن يساهم بنصيب في تلك النهضة فيتناول تلك الأحكام الجديدة بحثًا وتعليقًا – ولقد لاحظنا إبان دراستنا لهذا القانون أنه أورد أحكامًا في رد الاعتبار Réhabilitation تخالف أحكام القانون المعمول به وهو المرسوم بقانون رقم (41) لسنة 1931, فعن لنا بحثها من الوجهتين الفقهية والتاريخية.
2 – موضع رد الاعتبار في القانون الجنائي:
من المسلم به أن فقه القانون الجنائي يحتوي على نوعين من القواعد القانونية, الأولى موضوعية، والثانية شكلية، فالموضوعية هي القواعد المتعلقة بالجرائم وشروطها وأركانها وعقوباتها وهي مجموعة في تقنين واحد يسمى بقانون العقوبات, أما الشكلية فهي القواعد المتعلقة بالإجراءات التي تتبع عند وقوع الجرائم وهي مجموعة في تقنين ثانٍ أسماه المشرع المصري خطأ قانون تحقيق الجنايات ولم يرد في هذين التقنينين أحكام في رد الاعتبار وإنما صدر به قانون خاص هو المرسوم بقانون (41) لسنة 1931, ولما تناوله الشراح المصريون بالشرح أورده بعضهم عند بحث العقاب في قانون العقوبات القسم العام وأورده البعض الآخر عند شرح قانون تحقيق الجنايات في الباب الخاص بتنفيذ الأحكام ولقد صدر قانون الإجراءات الجنائية الجديد وأورد أحكام رد الاعتبار في الباب التاسع من الكتاب الرابع الخاص بتنفيذ الأحكام فأيد الاتجاه الأخير ولقد أحسن المشرع المصري صنعًا إذ أورد أحكام رد الاعتبار في قانون الإجراءات فما أحكام رد الاعتبار إلا أحكام تتعلق بالشكل لا بالموضوع.
3 – تطور تاريخي:
ليس نظام رد الاعتبار نظامًا حديثًا وإنما هو معروف إبان عهد الرومان فالقانون الروماني ميز بين العفو Grâce, indulgntia وبين ما أسماه برد الحالة Restitution de l’état Restitutia in intergrum رغم أن كليهما يصدران من ولي الأمر Prince فالعفو يمنع تنفيذ العقوبة أما رد الحالة إذا صدر عامًا مطلقًا فإنه يعيد إلى المحكوم عليه اعتباره بما فيها كافة حقوقه المدنية كأنه لم يحكم عليه بشيء – ولما جاء القانون الفرنسي القديم أيد هذا المبدأ – وكانت حالة المحكوم عليه ترجع إلى ما كانت عليه قبل الحكم بمقتضى خطابات تصدر من السلطان فكان رد الاعتبار في هذا العهد إداريًا لا دخل لأية سلطة أخرى فيه.
ولما جاءت الثورة الفرنسية ألغت الجمعية التأسيسية سنة 1791 كافة الحقوق التي يتمتع بها الملك Le souverain من بينها حق العفو واعتبرت رد الاعتبار عملاً صادرًا من الأمة نفسها لإصلاح الحالة الاجتماعية واعتبرته حقًا مقررًا لكل محكوم عليه فلم يعد يحمل صفة العفو mésure graciense ووضعت إجراءات وقواعد معينة في رد الاعتبار, ولما صدر القانون الفرنسي الحديث على هدى هذا الاتجاه الحديث أكد تلك القواعد والإجراءات وصدر بعد ذلك أمران في 18 إبريل سنة 1848 و 4 يوليو سنة 1852 معدلين لبعض أحكام رد الاعتبار ولقد أصبح رد الاعتبار في هذا العهد إداريًا ذا صفة قضائية فكانت محكمة الاستئناف التي يقيم في دائرتها طالب رد الاعتبار تبدي رأيها في طلب رد الاعتبار فإذا كان في مصلحة الطالب يحول إلى النائب العام ثم وزير العدل وهذا الأخير يستصدر أمرًا برد اعتبار الطالب من رئيس الدولة.
وظل الحال على هذا المنوال إلى أن صدر القانون المؤرخ في 14 أغسطس سنة 1885 فنقل الاختصاص في مسائل رد الاعتبار برمته إلى محكمة الاستئناف وحدها فأصبحت تفصل فيه على هدى ما يستبين لها من ظروف.
وفي 5 أغسطس سنة 1895, أدخل في فرنسا نظام رد الاعتبار القانوني الذي سنبحثه فيما بعد.
أما في مصر فلم يرد في التقنينات الجنائية أحكام لرد الاعتبار أكثر من الطلبات المقدمة إلى وزارة العدل بالتماس العفو عن العقوبات فاضطر المشرع المصري إلى سرعة معالجة التشريع القائم بتنظيم طريقة قانونية لرد الاعتبار فصدر في 5 مارس سنة 1931 المرسوم بقانون رقم (41) لسنة 1931 بشأن إعادة الاعتبار وينطبق على المحاكم الوطنية واشتمل على اثنتي عشرة مادة تناول فيها طريقة رد اعتبار المحكوم عليهم القضائية فجعل الحق في الحكم في رد الاعتبار لمحكمة الاستئناف – ولما صدر قانون تحقيق الجنايات الجديد للمحاكم المختلطة في 31 يوليو سنة 1937 وردت به أحكام لرد الاعتبار أمام المحاكم المختلطة في المواد (343) إلى (353) وجعل رد الاعتبار قضائيًا أيضًا فحسب.
ولم يؤيد المشرع المصري فكرة رد الاعتبار القانوني إلا في حالة واحدة وردت في قانون العقوبات في أحكام إيقاف التنفيذ فنصت المادة (59) من هذا القانون على أنه إذا انقضت مدة الإيقاف ولم يكن صدر في خلالها حكم بإلغائه فلا يمكن تنفيذ العقوبة بها ويعتبر الحكم كأن لم يكن – ولقد جرى قضاء محاكم الاستئناف على أنه لا يرد اعتبار المحكوم عليهم بأحكام مع إيقاف تنفيذها إذ يكتفى فيها بمرور المدة القانونية عليها وهي خمس سنوات حتى يعتبر الحكم كأن لم يكن ولا حاجة لرد اعتبار المحكوم عليه فيها.
وظلت الحالة على هذا النحو السابق إلى أن صدر قانون الإجراءات الجنائية الجديد والذي لم يُنشر بعد متضمنًا أحكامًا خاصة لرد الاعتبار وذلك في المواد من (536) إلى (553) أجاز فيها علاوة على طريقة رد الاعتبار القضائية طريقة أخرى هي رد الاعتبار القانونية أي بحكم القانون وذلك في المادتين (550) و (551) وذلك تمشيًا منه مع ما جرى عليه التشريع الحديث والقانون المقارن.
Originally posted 2019-07-07 20:02:15.
أحدث التعليقات